موازنة 2016: نظرة على نوعية الانفاق الحكومي
نشرت في تشرين الأول، 2015
تزخر الوسائل الإعلامية في هذا الوقت من السنة بمقالات تحليلية عديدة عن مشروع الموازنة العامة. تشترك هذه المقالات بأنها تحلل الأرقام الرئيسية للموزانة العامة من إيرادات ونفقات مختلفة.
لكن مع كل التغطية الإعلامية، التي تتزامن مع مراحل إقرار الموازنة، تغفل جميع هذه المقالات عن نقل جانب محوري للموازنة ألا وهو مدى إمتثال الموازنة لمبدأ الموازنة الموجهة بالنتائج.
تعرف الموازنة الموجهة بالنتائج بأنها طريقة لإعداد موازنة لبرامج أو مؤسسات معينة إستناداً الى العلاقة ما بين الإنفاق والأهداف المراد تحقيقها من وراء ذلك الإنفاق. أي أن كل برنامج أو مؤسسة يخصص لها مبلغاً لإنفاقه مقابل تحقيقها لهدف معين. تهدف تلك الوسيلة الى تحسين نوعية الإنفاق الحكومي من خلال تحليل نوعية إنفاقها ومدى إنعكاس ذلك الإنفاق على أهداف تتحقق على أرض الواقع.
أما عن فائدة هذه المنهجية للجهاز الرقابي في الدولة، فبإستطاعة مجلس النواب أن يحاسب الدائرة الحكومية على جودة إنفاقها من خلال النظر الى التغير في مؤشرات الأداء (المرتبطة بالهدف) الناتج عن إنفاق تلك الدائرة. وإن لم تتغير قيمة مؤشر الأداء، بوسع مجلس النواب أن يخفض من نفقات تلك الدائرة بمقدار يتماثل مع درجة الفشل في تحقيق القيمة المتوقعة من مؤشرات الأداء وبالتالي الفشل في تحقيق الهدف الإستراتيجي.
تم تبني مبدأ الموازنة الموجهة بالنتائج من قبل الحكومة الأردنية في العقد الماضي. ومنذ ذلك الحين تم تضمين أهداف إستراتيجية لكل وزارة ودائرة ووحدة حكومية لربط إنفاق تلك الجهات بتحقيق تلك الأهداف. وإنطلاقاً من ذلك، تم تحديد مؤشرات أداء لكل هدف بحيث يرتبط الإنفاق بتحسين تلك المؤشرات من خلال قياسها بشكل دوري وذلك لمعرفة إذا ما تم تحقيق تلك الأهداف.
إن هذه المعلومات، أي الأهداف الإستراتيجية ومؤشرات الأداء، متوفرة على الموقع الإلكتروني لدائرة الموازنة العامة. لكن تلك المعلومات لا تنال حصتها من التغطية الإعلامية في كل سنة. أود من خلال هذا المنبر أن أسلط الضوء على مثال واحد لكيفية النظر وتحليل برنامج حكومي معين من خلال مبدأ الموازنة الموجهة بالنتائج. إن البرنامج الذي إنتقيته هو برنامج مصادر المياه التابع لوزارة المياه.
إن الهدف الإستراتيجي لبرنامج مصادر المياه كما ورد في ملف وزارة المياه على موقع دائرة الموازنة العامة الإلكتروني هو "زيادة كميات المصادر المياه المحمية". لا يختلف إثنان على أن ملف المياه هو ذو أولوية وطنية ولذلك فإن ذلك البرنامج لوزارة المياه له أهمية خاصة تنبع من فقر الموارد المائية للأردن. ولذلك، نتوقع أن نشهد نتائج إيجابية لهذا البرنامج الذي أنفقت عليه وزارة المياه حوالي 5 مليون دينار في عام 2014.
وضعت وزارة المياه لهذا البرنامج مؤشرين أداء لقياس مدى تحقيق هذا البرنامج لهدفه الإستراتيجي. هذان المؤشران هم "نسبة المصادر المياه المحمية من التلوث الى نسبة المياه الملوثة" و "كميات المياه المتاحة للتزويد أي الحد الأمن للتزويد مقاسة بمليون متر مكعب".
في عام 2014، طلبت وزارة المياه، عن طريق مشروع قانون الموازنة، تخصيص مبلغ 6 مليون دينار لهذا البرنامج. وأرتبط إنفاق ذلك المبلغ من خلال رفع قيمة مؤشر أداء "نسبة المصادر المياه المحمية من التلوث الى نسبة المياه الملوثة" من 34% في عام 2013 الى 35% في عام 2014 (أي أن الوزارة ألتزمت بتحسين قيمة مؤشر الأداء هذا بمقدار 1% في عام 2014). لكن نجد أن في عام 2014 أن قيمة مؤشر الأداء بلغت 34%؛ أي أن مؤشر الأداء لم يتغير.
أما مؤشر الأداء الثاني "كميات المياه المتاحة للتزويد (الحد الأمن للتزويد)"، ربطت الوزارة إنفاق ذات المبلغ (أي 6 مليون دينار) برفع هذه الكميات من 929 مليون متر مكعب في عام 2013 الى 1100 مليون متر مكعب في عام 2014 أي أن الوزارة ألتزمت بتحسين هذا المؤشر بمقدار 171 مليون متر مكعب. لكن عند النظر الى القيمة الفعلية لذلك المؤشر لعام 2014، نجد أن قيمته بقيت كما هي (أي 929 مليون متر مكعب)؛ أي أن مؤشر الأداء لم يتغير.
نستخلص مما سبق أن برنامج مصادر المياه التابع لوزارة المياه أنفق ما قيمته 5 مليون دينار في عام 2014 وفشل بشكل تام في تحقيق هدفه الإستراتيجي. نستدل على ذلك الفشل من خلال ثبات قيم مؤشري الأداء لذلك البرنامج خلال عام 2014 والتي ألتزمت وزارة المياه برفعهما بمقدار 1% و 171 مليون متر مكعب على التوالي). يذكر أن وزارة المياه طلبت مبلغ 4 مليون دينار لهذا البرنامج لإنفاقه في عام 2016.
بوسع مجلس النواب أن يحاسب المقصّر والمسؤول عن هذا البرنامج الذي أنفق في سبيله 5 مليون دينار في عام 2014 ولم يحقق أي من أهدافه ولم ترتفع مؤشرات الأداء نقطة واحدة نتيجة لذلك الإنفاق. وأود أن أذكر أن هنالك العديد من البرامج التي فشلت في تحقيق أهدافها (أي ثبات قيم مؤشرات الأداء) وليس البرنامج أعلاه وحده. بوسع مؤسسات المجتمع المدني النظر الى هذه المعلومات (المتوافرة للجميع) وإستخلاص مدى تحقيق الجهات الحكومية المختلفة لأهدافها الإستراتيجية.
أود أن أنوه هنا الى أن عدد البرامج التابعة لمختلف الأجهزة الحكومية تبلغ المئات. كل هذه البرامج لها اهداف إستراتيجية ومؤشرات أداء يرتبط الإنفاق بتحسينها. على مجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني النظر بتمعن الى كافة هذه البرامج وإكتشاف إذا ما حققت تلك البرامج أهدافها (من خلال النظر الى التغير في مؤشرات الأداء). بوسع مجلس النواب أن يحاسب المقصرين عن طريق تخفيض النفقات المخصصة للبرامج المقصرة لعام 2016 بمبالغ معينة تساهم في خفض عجز الموازنة العامة وإذا كانت التخفيض كبيراً يمكن للعجز أن يختفي تماماً!